• عدد المراجعات :
  • 738
  • 11/29/2010
  • تاريخ :

المسلمون ووحي القرآن (2)

الورد

 2 - جبرائيل والروح الأمين: يسمى التفسير السابق روح  الرسول الطاهرة التي كان دأبها طلب الخير والاصلاح الاجتماعي بـ"الروح الأمين"، ويسمى ما تلقيه الروح الزكية في روعه المبارك بـ"الوحي". ولكن القرآن الكريم لايؤيد ما ذهب اليه هؤلاء، لأنه يصرح بأن وسيط الوحي يسمى بـ"جبرائيل"، وعلى التفسير المذكور لا موجب لهذه التسمية بتاتا. يقول تعالى: ?قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ?(البقرة:97).

نزلت هذه الآية في الذين سألوا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عمن يأتيه بالوحي، فأجابهم أنه جبرائيل الملك قالوا: ذاك عدونا من الملائكة ولو كان ميكائيل لاتبعناك2.

يرد الله تعالى في هذه الآية على اليهود، ويؤكد بأن جبرائيل انما جاء بالوحي باذن منه عز شأنه، فيثبت بأن القرآن من كلام الله تعالى وليس من كلام جبرائيل. وواضح بأن اليهود كانوا أعداءا لملك سماوي كان يأتي بالوحي من السماء، وكان ذلك الملك غير موسى بن عمران ومحمد بن عبد الله صلى الله عليهما، كما لم يكن روحيهما الطاهرتين.

والقرآن نفسه الذي صرح في الآية المذكورة أن وسيط الوحي هو جبرائيل، صرح في آية أخرى انه الروح الأمين فقال: ?نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ...?(الشعراء:193-194).

ويقول تعالى في موضع آخر بصدد التعريف بوسيط الوحي: ?إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ * وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ?(التكوير:19-23).

وهذه الآيات تدل دلالة واضحة على أن جبرائيل من الملائكة المقربين عند الله تعالى، وهو ذو قوة عظيمة ومنزلة رفيعة وهو المطاع الأمين.

ويصف الملائكة المقربين في موضع آخر بقوله: ?الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا?(غافر:7).

تدل الآية على أن الملائكة موجودات لهم اراداتهم ومداركهم واستقلالهم، لأن الأوصاف المذكورة فيها كالايمان بالله والتسبيح له والاستغفار للمؤمنين لا تتوفر الا فيمن يتم له الاستقلال الكامل والمدارك التامة والارادة الخاصة.

ويقول تعالى في الملائكة المقربين أيضا: (لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعًا) إلى أن يقول:?..وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلُيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا?(النساء: 173).

ان المسيح والملائكة المقربين لا يعصون الله طرفة عين ولكن مع ذلك هددهم تعالى بالعذاب الأليم لو تلبسوا بالمعصية والتهديد من عذاب يوم القيامة المتفرع على ترك نوع من التكليف لا يصح الا بالاستقلال والارادة.

ويتضح من الآيات المذكورة أن الروح الأمين الذي يسمى جبرائيل أيضا وهو الذي يأتي بالوحي الالهي له استقلاله وارادته ومداركه، بل يستفاد من خلال آيات سورة التكوير "مطاع ثم أمين" أنه يأمر وينهى في الملأ الأعلى وتطيعه الملائكة المقربون، بل نرى في بعض الأحيان أن الوحي ربما يأتي على يد ملائكة يأتمرون بأوامره، كما تشير إلى ذلك الآيات الواردة في سورة عبس ?كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ* فَمَن شَاء ذَكَرَهُ * فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ * مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ?(عبس:11-16).

3- الملائكة والشياطين: يؤكد التفسير السابق أن "الملائكة" اسم للقوى الطبيعية الداعية إلى الخير والسعادة، "والشياطين" اسم للقوى الطبيعية الداعية إلى الشر والشقاء. ولكن المستفاد من القرآن الكريم خلافه، فانه يعتبر الملائكة والشياطين مخلوقات لاتدرك بالحواس الظاهرية الا أن لها وجودا خارجيا وهي ذات ادراك وارادة مستقلة.

أما الملائكة فقد نرى التصريح في الآيات الماضية بأنها موجودات مستقلة مؤمنة تصدر منها أعمال تحتاج إلى آلارادة والادراك، وفي القرآن كثير من أمثال هذه الآيات لايسع البحث سردها كلها.

وأما الشياطين فقصة ابليس وعدم سجوده لآدم عليه السلام والمحاورات التي جرت بينه وبين الله تعالى مذكورة في عدة مواضع من القرآن، فقد قال بعد أن أخرج من صفوف الملائكة ?... لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ?، فقال تعالى له ?لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ?.

وغير خفي أن الجزاء والعقاب لايصح الا للمريد الذي يدرك الحسن والقبح، ومعنى هذا أن الشياطين لها كامل الادراك والارادة. وفي آية أخرى نرى أن الله تعالى وصف ابليس بالظن الذي هو من مصاديق الادراك فقال: ?وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ?(سبأ:20).

ويصرح في آية أخرى بأن ابليس يدفع اللوم عن نفسه، وهذا لايكون الا ممن يدرك، وله الارادة التامة، فيقول تعالى: ?وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم?(ابراهيم:22).

ان هذه الآيات الكريمة وآيات أخرى بمضمونها تثبت للشيطان صفات لاتتم الا مع الادراك والاستقلال في الارادة وهي لاتتفق مع القوى الطبيعية التي لاتتوفر فيها هذه الصفات البتة.

الجن: وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم حول الجن أكثر مما ورد حول الملائكة والشياطين، ففي آية يصف الله تعالى فيها أولئك الذين لم يستمعوا إلى دعوة آبائهم وأمهاتهم ونسبوا الدين إلى الأساطير يقول: ?أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ?(الأحقاف:18).

ويقول تعالى في موضع آخر: ?وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ* قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ?(الأحقاف:29-32).

تدل هذه القصة على أن الجن كالأنس لهم وجود مستقل وارادة وادراك وتكليف، ونجد أيضا في الآيات التي تصف أحوال القيامة مايدل على مانستفيده من هذه الآيات الكريمة.


افضل الطرق لمعرفة النبي

المسلمون ووحي القرآن (1)

أدلة منكري بعثة الإنبياء

اللطف الإلهي ( 1)  

الأدلة النقلية على وجوب الدعوة

النبوه العامة - الفرق بين المعجزة والكرامة (4)

الظاهرة العامّة للنبوّة

طباعة

أرسل لصديق

التعلیقات(0)